سـٍـٍـلَآَم الَلـٍـٍـه يَتَّبِعـٍـٍه سَلَآَم ~
الْخـٍـٍشّوُعْ !
الْخُشُوع فِي الْلُّغَة :هُو الْخُضُوْع وَالْسُّكُوْن .
وَالْخُشُوْع فِي الِاصْطِلَاح:هُو قِيَان الْقَلْب بَيْن يَدَي الْرَّب بِالْخُضُوْع وَالْذَل.
فَضْل الْخُشُوع فِي الصَّلَاة !
لَو لَم يَكُن لِلْخُشُوع فِي الْصَّلاة إِلَا فَضْل الانْكِسَار بَيْن يَدَي الْلَّه،وَإِظْهَار الذُّل وَالْمَسْكَنَة لَه ,لَكَفَى بِذَلِك فَضْلَا ،وَذَلِك لِأَن الْلَّه جَل جَلَالُه إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْعِبَادَة {وَمَا خَلَقْت الْجِن وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُُدُوْن} [الْذَّارِيَات : 56] وَأَفْضَل الْعِبَادَات مَا كَان فِيْهَا الانْكِسَار وَالْذَل الَّذِي هُو سِرَّهَا وَلُبُُّهَا.وَلَا يَتَحَقَّق ذَلِك إِلَا بِالْخُشُوْع .وَذَلِك فَقَد امْتِدَاح الْلَّه جَل وَعَلَّا الْخَاشِعِيْن فِي آَيَات كَثِيْرَة:قَال تَعَالَى : {وَيَخِرُّون لِلْأَذْقَان يَبْكُوْن وَيَزِيْدُهُم خُشُوْعَا } [الْإِسْرَاء:109].
وَقَال سُبْحَانَه :{ َإِنَّهَا لَكَبِيْرَة إِلَا عَلَى الْخَاشِعِيْن } [الْبَقَرَة:45].
وَجَعَل سُبْحَانَه وَتَعَالَى الْخُشُوْع مِن صِفَه أَهْل الْفَلَاح مَن الْمُؤْمِنِيْن فَقَال:{ قَد أَفْلَح الْمُؤْمِنُوْن الَّذِيْن هُم فِي صَلَاتِهِم خَاشِعُوْن }[الْمُؤْمِنُوْن:1-2].
وَقَال{وَيَدْعُوْنَنَا رَغَبَا وَرَهَبَا وَكَانُوْا لَنَا خَاشِعِيْن} [الْأَنْبِيَاء : 90].
وَلَمَّا كَان الْخُشُوْع صِفَه يَمْتَدِح الْلَّه بِهَا عُبَادَة الْمُؤْمِنِيْن ،دِل عَلَى فَضْلِه وَمَكَانَتُه عَبْدِاللّه ،وَدَل عَلَى حُب الْلَّه الْأَهْل الْخُشُوْع وَالْخُضُوْع ،لِأَن الْلَّه سُبْحَانَه لَا يُمْدَح أَحَدَا بِشَيْء إِلَا وَهُو يُحِبُُّه وَيُحِب مِن يَتَعَبَّدَه بِه . وَلِذَلِك قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم:"سَبْعَة يُظِلُّهُم الْلَّه فِي ظِلِّه ،يَوْم لَا ظِل إِلَّا ظِلُّه-وَذَكَر مِنْهُم- وَرَجُل ذَكَر الْلَّه خَاليّا فَفَاضَت عَيْنَاه"[مُتَّفَق عَلَيْه].
وَوَجْه الْدَّلَالَة مِن الْحَدِيْث:أَن الْخَاشِع فِي صَلَاتِه يُغَلِّب عَلَى حَالِه الْبُُكَاء فِي الْخَلْوَة أَكْثَر مِن غَيْرَهَا,فَكَان بِذَلِك مِمّن يُظِلُّهُم الْلَّه فِي ظِلِّه يَوْم الْقِيَامَة.
أَهُم أَسْبَاب الْخُشُوْع !
1) مَعْرِفَة الْلَّه: وَهِي أَهَم الْأَسْبَاب وَأَعْظَمُهَا ،وَبِهَا يُنَوِّر الْقَلْب وَيَتَّقِد الْفِكْر وَتَسْتَقِيْم الْجَوَارِح ،فَمَعْرِفَة أَسْمَاء الْلَّه وَصَفَاتِه تُوَلَّد فِي الْنَّفْس اسْتِحْضَار عَظَمَة الْلَّه وَدَوَام مُرَاقَبَتِه وَمَعِيَّتِه.وَلِذَلِك قَال الْلَّه جَل وَعَلَّا:"فَاعْلَم أَنَّه لَا إِلَه إِلَّا الْلَّه".
2) تَعْظِيْم قَدْر الصَّلَاة : وَإِنَّمَا يَحْصُل تَعْظِيْم قَدْرِهَا ،إِذَا عَظُم الْمُسْلِم قَدَّر رَبَّه وَجَلَال وَجْهِه وَعَظِيْم سُلْطَانِه وَاسْتَحْضَر فِي قَلْبِه وَفِكْرُه إِقْبَال الْلَّه عَلَيْه وَهُو فِي الصَّلَاة، فَعَلِم بِذَلِك أَنَّه وَاقِف بَيْن يَدَي الْلَّه وَأَن وَجْه الْلَّه مَنْصُوْب لِوَجْهِه ،وَيَا لَه مِن مَشْهَد رَهِيْب ، حَق لِلْجَوَارِح فِيْه أَن تَخْشَع وَلِلْقَلْب فِيْه أَن يُخْضِع، وَلِلْعَيْن فِيْه أَن تَدّمَع .قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم:"إِذَا صَلَّيْتُم فَلَا تَتَلْفْتُوا فَإِن الْلَّه يَنْصِب وَجْهَه لِوَجْه عَبْدِه فِي الَصَّلَاة مَا لَم يَلْتَفِت" [رَوَاه مُسْلِم]. وَلِذَلِك كَان السَّلَف رَضِي الْلَّه عَنْهُم يَتَغَيَّر حَالِهِم إِذَا أَوْشَكُوْا عَلَى الْدُّخُوْل فِي الْصَّلاة، فَقَد كَان عَلَى بْن الْحُسَيْن ‘ إِذَا تَوَضَّأ صَفَر لَوْنُه فَيَقُوْل لَه أَهْلَه:مَا هَذَا الَّذِي يَعْتَرِيَك عِنْد الْوُضُوْء ؟فَيَقُوْل : أَتَدْرُوْن بَيْن يَدَي مِن أَقْوَام؟ [رَوَاه الْتِّرْْمِذِي وَأَحْمَد].
وَهَذَا مُسَلَّم بْن يَسَار تَسْقُط أُسْطُوَانَة فِي نَاحِيَة الْمَسْجِد وَيَجْتَمِع الْنَّاس لِذَلِك ،وَهُو قَائِم يُصَلِّي وَلَم يَشْعُر بِذَلِك كُلّه حَتَّى انْصَرَف مِن الصَّلَاة.
3) الاسْتِعْدَاد لِلْصَّلاة: وَاعْلَم – أَخِي الْكَرِيْم – أَن اسْتِعْدَادِك لِلِصَّلَاة هُو عَلَامَة حُبَّك لِلَّه جَل وَعَلَا ،وَأَن حِرْْصِك عَلَى أَدَائِهَا فِي وَقْتِهَا فِي وَقْتِهَا مَع الْجَمَاعَة ، هُو عَلَامَة عَلَى حُب الْلَّه لَك ،قَال تَعَالَى فِي الْحَدِيْث الْقُدْسِي:"وَمَا تَقَرَّب إِلَي بِشَيْء أَحَب إِلَي مِمَّا افْتَرَضْتُه عَلَيْه " [رَوَاه الْبُُخَارِي].
وَلِذَلِك فَإِقَامَة الْصَّلاة عَلَى الْوَجْه الْمَطْلُوْب هُو أَوَّل سَبَب يُوَجِّب مُحِبِّه الْلَّه وَرِضْوَانِه ،وَإِنَّمَا يَكُوْن اسْتِعْدَادِك – أَخِي الْكَرِيْم – بِالتَّفَرُّغ لِلْصَّوَلَة تَفَرَّغْا كَامِلَا، بِحَيْث لَا يَكُوْن فِي بَالِك شَاغِل يَشْغَلُك عَنْهَا ،وَهَا لَا يَتَحَقَّق إِلَا إِذَا عَرَفْت حَقِيْقَة الْدُّنْيَا،وَعَلِمْت أَنَّهَا لَا تُسَاوِي عِنْد الْلَّه جَنَاح بَعُوْضَة،وَأَنَّك فِيْهَا غَرِيْب عَابِر سَبِيِل سَوْف تَرْْحَل عَنْهَا فِي الْغَد الْقَرِيْب.قَال صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: "كُن فِي الْدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيْب أَو عَابِر سَبِيِل".
4) فِقْه الصَّلَاة : وَإِنَّمَا جُعِل فِقْه الصَّلَاة مِن أَسْبَاب الْخُشُوْع ،لِأَن الْجَهْل بِأَحْكَامِهَا يُنَافِي أَدَاءَهَا كَمَا صَلَّى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم ،وَلِأَن خُشُوْع الْمُسِيء صَلَاتَه ،لَا يُفِيْدُه شَيْئا فِي إِحْسَانِهِا وَلَا يَكُوْن لَه كَبِيْر ثَمَرَة حَتَّى يُقِيْم صَلَاتَه كَمَا أُمِر الْلَّه.
وَلَقَد صَلَّى رَجُل أَمَام رَسُوْل الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَأَسَاء صَلَاتَه،فَقَال لَه الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم "ارْْجِع فَصَل فَإِنَّك لَم تُصَل"[رَوَاه الْبُُخَارِي وَمُسْلِم وَأَبُُو دَاوُد].
فَيَجِب عَلَيْك – أَخِي الْكَرِيْم – أَن تَعْلَم أَرْْكَان الصَّلَاة وَوَاجِبَاتِهَا ، وَسُنَن الَصَّلَاة وَمُبْطِلَاتُهَا ،حَتَّى تُعْبَد الْلَّه بِكُل حَرَكَة أَو دُعَاء تَقُوْم بِه فِي الصَّلَاة.قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم :"صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِي أُصَلِّي".
5) اتِّخَاذ الْسُّتْرَة :وَذَلِك حَتَّى لَا يَشْغَلَك شَاغِل وَلَا يَمُر يَدَيْك مَار سَوَاء مِّن الْإِنْس أَو الْجِن ،فَيُقْطَع عَلَيْك صَلَاتَك وَيَكُوْن سَبَبَا فِي حِرَمَانِك مِن الْخُشُوْع.
عَن سَهْل بْن حَثْمَة عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال :"إِذَا صَلَّى أَحَدُكُم إِلَى سُتْرَة فَلْيَدْن مِنْهَا لَا يَقْطَع الْشَّيْطَان عَلَيْه صَلَاتَه"[رَوَاه الْنَّسَائِي وَأَبُُو دَاوُد].
وَأَعْلَم أَخِي الْكَرِيْم أَن اتِّخَاذ الْسُّتْرَة فِي الصَّلَاة ,قَد تَهَاوَن فِيْه كَثِيْر مِن الْنَّاس،وَذَلِك لِجَهْلِهِم بِمَا يُوَقِّعُه مَن الْسَّكِينَة وَالْهُدُوء فِي قَلْب الْمُصَلِّي وَلَجَّهِلَهْم بِحُكْمِه فِي الصَّلَاة.
6) تَكْبِيْرَة الْإِحْرَام: أَخِي الْكَرِيْم – أَمَّا وَقَد عَرَفَت رَبِّك وَالْتَزَمْت بِأَمْرِه وَاتَّبَعْت سَبِيِلِه ،فَلَبَّيْت نِدَاءَه وَتُرِكَت مَا سِوَى ذَلِك مِن حُطَام الْدُّنْيَا وَرَاء ظَهْرِك ,وَأَقْبَلَت عَلَى مَلَاك أَحْسَن إِقْبَال بِصِدْق وَصَفَاء وَإِخْلَاص ،- أَمَّا وَقَد حَصَل لَك ذَلِك الاسْتِعْدَاد كُلِّه – فَاعْلَم أَن تَكْبِيْرَة الْإِحْرَام هِي أَوَّل شَجَرَة تُقَطَّف مَهَا ثَمَرَة الْخُشُوْع وَالْذَل وَالانْكِسَار،تَقْطِفُهَا وَتَتَذَوَّق حَلْاوَتُهَا حِيْنَمَا تَتَصَوَّر وَقُوْفِك بَيْن يَدَي الْلَّه ، وَحِيْنَمَا تَغْرَق تَفْكِيرِك فِي مَعَانِي "الْتَّكْبِير" فَتُتَصَوَّر قُدِّر عَظَمَة الْلَّه فِي هَذَا الْكَوْن ،وَتَتَأَمَّل – و أَنْت تَكْبُُر – فِي قَوْل الْلَّه جَل وَعَلَا { وَسِع كُرْْسِيُّه الْسَّمَاوَات وَالْأَرْْض} [الْبَقَرَة : 255] ثُم تَتَأَمَّل قَوْل ابْن عَبَّاس رَضِي الْلَّه عَنْه أَن الْكُرْْسِي مَوْضِع الْقَدَم،فَحِيْنَئِذ تُدْرِك حَقّيِقَة الْلَّه أَكْبَر".تُدْرِكُهَا وَهِي تُلْامِس قَلْبِك الْغَافِل عَن الْلَّه فَتُوْقِظُه,.وَتُذَكِّرُه بِهَزْل الْمَوْقِف وَعَظُم الْأَمَانَة الَّتِي تَحَمَّلَهَا الْإِنْسَان وَلَم يُؤَدِّيَهَا عَرَضْت عَلَيْهَا .تُدْرِك أَخِي الْكَرِيْم – حَقِيْقَة الْتَّكْبِير وَأَسْرَارِه وَتَنْظُر إِلَى حَالِك مَع الْلَّه وَمَا فَرَّطْت فِي جَنْبِه سُبْحَانَك ثُم تَتَيَقَّن أَنَّه سُبْحَانَه قَد نَصَب وَجْهَه لِوَجْهِك فِي لَحَظْه الْتَّكْبِير لِتُقَيَّم الصَّلَاة لَه رَاجِيَا رَحْمَتِه وَخَائِفُا مِن عَذَابِه ،إِنَّه لِمَوْقِف تَرْْتَعِش لَه الْجَوَارِح وَتَذْهَل فِيْه الْعُقُوْل .كَان عَامِر بْن عَبْد الْلَّه مِن خَاشِعِي الْمُصَلِّيْن وَكَان إِذَا صَلَّى ضُرِبَت ابْنَتَه بِالْدُّف ،وَتُحَدِّث الْنِّسَاء بِمَا يُرِدْن فِي الْبَيْت وَلَم يَكُن يَسْمَع ذَلِك وَلَا يَعْقِلُه .وَقِيْل لَه ذَات يَوْم:هَل تُحَدِّثُك نَفْسَك فِي الصَّلَاة بِشَيْء؟قَال:نَعَم ,بِوُقُوْفِي بَيْن يَدَي الْلَّه عَز وَجَل ,و مُنْصَرَفِي إِلَى إِحْدَى الْدَّارَيْن ،قِيَل فَهَل تَجِد شَيْئَا مِن أُمُوْر الْدُّنْيَا؟ فَقَال:لِأَن تَخْتَلِف الْأَسِنَّة فِي أَحَب إِلَي مِن أَن أَجِد فِي صَلَاتِي مَا تَجِدُوْن.
فَهَكَذَا كَان الْسَّلَف إِذَا دَخَلُوْا فِي الصَّلَاة فَكَأَنَّمَا رَحَلَت قُلُوْبِهِم عَن أَجْسَادِهِم مِن حَلَاوَة مَا يَجِدُوْن مِن الْخُشُوْع وَالْخُضُوْع.
7) الْتَّأَمُّل فِي دُعَاء الِاسْتِفْتَاح: وَأَدْعِيَه الِاسْتِفْتَاح كَثِيْرَة،وَكُلُّهَا تَشْمَل مَعَانِي الْتَّوْحِيْد وَالْإِنَابَة وَعَظُم الْلَّه وَقُدْرَتِه وَجَلَال وَجْهَه ،لِذَلِك فَالتَّأَمُّل فِيْهَا يُوَرِّث أَخِي الْحَبِيْب هَذِه الْمَعَانِي الّعَظِيّمَّة الَّتِي تَهُز الْقَلْب وَتُحَرِّك الْشَّوْق وَتُقَوِّي الْأُنْس بِاللَّه جَل وَعَلَّا.وَمِن الْأَدْعِيَة الْمَأْثُوْرَة:"وُجِّهَت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَر الْسَّمَاوَات وَالْأَرْْض حَنِيْفَا مُسْلِما وَمَا أَنَا مِن الْمُشْرِكِيْن ،إِن صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّه رَب الْعَالَمِيْن ،لَا شَرِيْك لَه وَبِذَلِك أُمِرْْت وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِيْن "[رَوَاه مُسْلِم].
قَال الْقُرْْطُبِي :"أَي قَصَدْت بِعِبَادَتِي وَتَوْحِيْدِي لَه عَز وَجَل وَحْدَه "[تَفْسِيْر الْقُرْْطُبِي 7/28].
تَدَبُُّر الْقُرْْآَن فِي الصَّلَاة: وَأَعْلَم – أَخِي الْكَرِيْم – أَن تَدَبُُّر الْقُرْْآَن مِن أَعْظَم أَسْبَاب الْخُشُوع فِي الصَّلَاة ,وَذَلِك لِمَا تَشْتَمِل عَلَيْه الْآَيَات مِن الْوَعْد وَالْوَعِيْد وَأَحْوَال الْمَوْت وَيَوْم الْقِيَامَة وَأَحْوَال أَهْل الْجَنَّة وَالْنَّار وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء الْرُّسُل وَمَا ابْتُلُوا بِه مِن قَوْمِهِم مِن الْطَّرْْد وَالْتَّنْكِيْل وَالتَّعْذِيْب وَالْقَتْل وَأَخْبَار الْمُكَذِّبِيْن بِالْرُّسُل وَمَا أَصَابَهُم مِن الْعَذَاب وَالنَّكَال،وَكُل هَذِه الْقَضَايَا تُسَبِّح بِخَلَدِك أَخِي الْكَرِيْم فَتَهِيْج فِي قَلْبِك نُوَر الْإِيْمَان وَصَدَق التَّوَكُّل وَتَزِيْدُك خُشُوْعَا عَلَى خُشُوْع وَكَيْف لَا وَقَد قَال الْلَّه جَل وَعَلَّا: {لَو أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْْآَن عَلَى جَبَل لَّرَأَيْتَه خَاشِعَا مُّتَصَدِّعا مِّن خَشْيَة الْلَّه وَتِلْك الْأَمْثَال نَضْرِبُُهَا لِلْنَّاس لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُوْن }[الْحَشْر : 21] .وَلِذَلِك اسْتَنْكَر الْلَّه جَل عَلَا عَلَى الْغَافِلِيْن عَن الْتَّدَبُُّر غَفْلَتِهِم فَقَال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُوْن الْقُرْْآَن أَم عَلَى قُلُوْب أَقْفَالُهَا} [مُحَمَّد : 24] وَقَال تَعَالَي أَيْضا:{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُوْن الْقُرْْآَن وَلَو كَان مِن عِنْد غَيْر الْلَّه لَوَجَدُوَا فِيْه اخْتِلافَا كَثِيْرَا} [الْنِّسَاء : 82].
9) التُذَيل لِلَّه فِي الْرُّكُوع :أَمَّا الْرُّكُوع لِّلّه فَهُو حَالَة يُظْهِر فِيْهَا الْتَّذَلُّل لِلَّه جَل وَعَلَا بِانْحِنَاء الظَّهْر وَالْجَبْهَة لِلَّه سُبْحَانَه ،فَيَنْبَغِي لَك أَخِي الْكَرِيْم أَن تُحْسِن فِيْه الْتَّفَكُّر فِي عَظَمَة الْلَّه وَكِبْرِيَائِه وَسُلْطَانِه وَمَلَكُوْتُه،وَأَن تَسْتَحْضِر فِيْه ذَنْبِك وَتَقْصِيْرُك وَعْيُبْك،وَتَتَفَكَّر فِي قَدَر الْلَّه وَجَلَّالِه وَغِنَاه ،فَتَظْهَر حَاجَتَك وَفَقْرَك وَتَذَلُلك لِلَّه وَحْدَه قَائِلا:"الْلَّهُم لَك رَكَعْت ،وَبِك آَمَنْت ،وَلَك أَسْلَمْت ،خَشَع لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي"[رَوَاه مُسْلِم]، ثُم عِنْد قِيَامِك مِن الْرُّكُوع فَقُل سَمِع الْلَّه لِمَن حَمِدَه،وَمَعْنَاهَا:سَمِع الْلَّه حَمْد مَن حَمِدَه وَاسْتَجَاب لَه ،ثُم احْمِد الْلَّه بَعْد ذَلِك بِقَوْلِك :"رَبَّنَا لَك الْحَمْد حَمْدَا طَيِّبَا مُبَارَكَا فِيْه مِلْء الْسَّمَاوَات وَمِلْء الْأَرْْض وَمِلْء مَا بَيْنَهَا وَمِلْء مَا شِئْت مِن شَيْء بَعْد" وَتُذَكِّر أَنَّك مُهِمَّا حَمِدْت الْلَّه عَلَى نِعَمِه فَإِنَّك لَا تُؤَدِّي شُكْرَهَا.قَال تَعَالَى:{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَة الْلَّه لَا تُحْصُوْهَا َّ }[الْنَّحْل : 18].وَهَذَا الْتَّأَمُّل يَزِيْدُك إِيْمَانَا بِتَقْصِيْرِهَا فِي جَنْب الْلَّه وَيُعَمِّق فِي نَفْسِك مَعَانِي الانْكِسَار وَالْذَل وَطَلَب الْرَّحْمَة مِن الْلَّه وَكُل هَذِه الْأَشْيَاء مُحَفِّزَات لِخُشُوعِك فِي الصَّلَاة.
10) اسْتِحْضَار لِقُرْْب مِن الْلَّه فِي الْسُّجُود: لَئِن كَان الْقِيَام وَالْرُّكُوع وَالْتَّشَهُّد فِي الصَّلَاة،مِن أَسْبَاب الْخُشُوع و الِاسْتِكَانَة وَالتَّذَلُّل لِلَّه ،فَإِن الْسُّجُود هُو أَعْلَى دَرَجَات الِاسْتِكَانَة وَأَظْهَر حَالِات الْخُضُوْع لِلَّه لْعَلِي الْقَدِيْر.
فَاعْلَم أَخِي الْكَرِيْم :أَنَّك إِذَا سَجَدْت تَكُوْن أَقْرَب إِلَى الْلَّه ،وَمَتَى اسْتَحْضَر قَلْبِك مَعْنِي الْقُرَب مِن خَالِق وَمُبْدِع الْكَوْن،مَتَى تُصَوِّر ذَلِك كَذَلِك خَضَع وَخَشَع.وَتُصَوِّر حَالِك وَأَنْت أَقْرَب إِلَى مَلِك عَظِيْم مِن مُلُوْك الْدُّنْيَا تَوَد الْحَدِيث إِلَيْه،أَلَا يُصِيْبَك مِن الارْْتِبَاك وَالْسُّكُوْن مَا يُغَيِّر حَالِك وَيَخْفُق قَلْبُُك،فَكَيْف وَأَنْت أَقْرَب فِي حَالَة سُجُوْدِك إِلَى الْلَّه ذِي الْمُلْك وَالْمَلَكُوْت وَالْعِز و الْجَبَرُوْت. وَلِلّه الْمَثَل الْأَعْلَى .وَاعْلَم أَن الْسُّجُود أَقْرَب مَوْضِع لِإِجَابَة الْدُّعَاء،وَمَغْفِرَة الْذُّنُوب وَرَفَع الْدَّرَجَات.قَال الْلَّه تَعَالَى: {َاسْجُدْ وَاقْتَرِب }[الْعَلَق : 19]. وَقَال صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم :"أَقْرَب مَا يَكُوْن الْعَبْد مِن رَبِّه هُو سَاجِد،فَأَكْثِرُوْا الْدُّعَاء فِيْه"[رَوَاه مُسْلِم] وَكَان رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم يَقُوْل فِي سُجُوْدِه:"سُبْحَان ذِي الْجَبَرُوْت وَالْمَلَكُوْت وَالْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة"[رَوَاه أَبُُو دَاوُد وَالْنَّسَائِي] وَيَقُوْل أَيْضا:"الْلَّهُم اغْفِر لِي ذَنْبِي كُلَّه ،دِقَّه وَجِلَّه ،وَأَوَّلَه وَآَخِرَه،وَعَلَانِيَتَه وَسِرَّه"[رَوَاه مُسْلِم] وَالْأَدْعِيَة الْوَارِدَة فِي الْسُّجُود كَثِيْرَة لَيْس هَذَا مَحَل بَسَطَهَا.
11) اسْتِحْضَار مَعَانِي الْتَّشَهُّد: وَذَلِك لِأَن الْتَّشَهُّد اشْتَمَل عَلَى مَعَانِي عَظِيْمَة جَلِيْلَة،فَإِذَا تَأَمَّلْت فِيْهَا – أَخِي الْكَرِيْم – أَخَذَت بِمَجَامِع قَلْبِك وَأَلْقَت عَلَيْك مِن ظِلَال الْسَّكِينَة وَالْرَّحْمَة مَا يُلْبِسَك ثَوْب الْخُشُوْع الِاسْتِكَانَة.إِذَا أَنَّك فِي الْتَّشَهُّد تُلْقِي الْتَّحِيَّات لِلَّه سُبْحَانَه،وَهَذَا – وَالْلَّه – مَشْهَد يَسْتَعْذِبْه الْقَلْب وَيَخْفُق لَه ،ثُم تُسْلِم عَلَى رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَيَرُد عَلَيْك الْسَّلام كَمَا صَح ذَلِك فِي الْحَدِيْث ،ثُم تَسْتَشْعِر مَعَانِي الْأُخُوَّة فِي الْمُجْتَمَع الْإِسْلَامِي حِيْنَمَا تَسْلَم عَلَى نَفْسِك وَعَلَى عِبَاد الَه الْصَّالِحِيْن،ثُم تَسْتَعِيْذ مِن عَذَاب الْنَّار وَالْقَبْر وَمِن فِتْنَة الْمَسِيْح الْدَّجَّال وَفِتْنَة الْمَحْيَا وَالْمَمَات ، وَكُلُّهَا تَغْمُر الْقَلْب بِمَعَانِي اللُّجُوء وَالْفِرَار إِلَى الْلَّه وَالْتَّقَرُّب إِلَيْه بِمَا يُحِب.
والـسـِِِِِِــلام عليكم